الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير **
ذكر الخبر عن دخول بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف في الشعب وما لقوا من سائر قريش في ذلك قال أبو عمر أنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن سلمة المرادي قال أنا ابن وهب قال أخبرني ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود وأنا عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ ثنا مطرف بن عبد الرحمن ابن قيس ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب وأنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن اسحق المسيبي قالا ثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب دخل حديث بعضهم في بعض قال ثم إن كفار قريش أجمعوا أمرهم واتفق رأيهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد أفسد أبناءنا ونساءنا فقالوا لقومه خذوا منا دية مضاعفة ويقتله رجل من غير قريش وتريحوننا وتريحون أنفسكم فأبى قومه بنو هاشم من ذلك فظاهرهم بنو المطلب بن عبد مناف فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم وإخراجهم من مكة إلى الشعب فلما دخلوا إلى الشعب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من المؤمنين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة وكان متجراً لقريش فكان يثني على النجاشي بأنه لا يظلم عنده أحد فانطلق إليها عامة من آمن بالله ورسوله ودخل بنو هاشم وبنو المطلب شعبهم مؤمنهم وكافرهم فالمؤمن ديناً والكافر حمية فلما عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد منعه قومه أجمعوا على أن لا يبايعوهم ولا يدخلوا إليهم شيئاً من الرفق وقطعوا عنهم الأسواق ولم يتركوا طعاماً ولا أداماً ولا بيعاً إلا بادروا إليه واشتروه دونهم ولا يناكحوهم ولا يقبلوا منهم صلحاً أبداً ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة وتمادوا في العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين فاشتد البلاء على بني هاشم في شعبهم وعلى كل من معهم فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم قوم من قصي ممن ولدتهم بنو هاشم ومن سواهم فأجمعوا أمرهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فأكلت ولحست ما في الصحيفة من ميثاق وعهد وكان أبو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شراً أو غائلة فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها فلم يزالوا في الشعب على ذلك إلى تمام ثلاث سنين ولم تترك الأرضة في الصحيفة اسماً لله عز وجل إلا لحسته وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم فأطلع الله رسوله على ذلك فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب فقال أبو طالب لا والثواقب ما كذبتني فانطلق في عصابة من بني المطلب حتى أتوا المسجد وهم خائفون لقريش فلما رأتهم قريش في جماعة أنكروا ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم برمته إلى قريش فتكلم أبو طالب فقال قد جرت أمور بيننا وبينكم نذكرها فلكم فائتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح وإنما قال ذلك أبو طالب خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها فأتوا بصحيفتهم معجبين لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع إليهم فوضعوها بينهم وقالوا لأبي طالب قد آن لكم أن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم فقال أبو طالب إنما أتيتكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم أن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أن هذه الصحيفة التي في أيديكم قد بعث الله عليها دابة فلم تترك فيها اسماً له إلا لحسته وتركت فيها غدركم وتظاهركم علينا بالظلم فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا فلا والله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا وإن كان الذي يقول باطلاً دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم فقالوا قد رضينا بالذي تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر بخبرها قبل أن تفتح فلما رأت قريش صدق ما جاء به أبو طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغياً وعدواناً. وقال ابن هشام وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب يا عم إن ربي قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسماً لله إلا أثبتته ونفت منها القطيعة والظلم والبهتان قال أربك أخبرك بهذا قال نعم قال فوالله ما يدخل عليك أحد ثم خرج إلى قريش فقال يا معشر قريش إن ابن أخي أخبرني وساق الخبر بمعنى ما ذكرناه. وقال ابن اسحق وابن عقبة وغيرهما: وندم منهم قوم فقالوا هذا بغي منا على إخواننا وظلم لهم فكان أول من مشى في نقض الصحيفة هشام بن عمرو بن الحارث العامري وهو كان كاتب الصحيفة وأبو البختري العاص بن هشام ابن الحارث بن أسد بن عبد العزى والمطعم بن عدي. إلى هنا انتهى خبر ابن لهيعة عن أبي الأسود يتيم عروة وموسى بن عقبة عن ابن شهاب. وذكر ابن اسحق فيهم زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي وزمعة بن الأسود بن المطلب.وذكر ابن اسحق في أول هذا الخبر قال وقد كان أبو جهل فيما يذكرون لقى حكيم بن حزام ومعه غلام يحمل قمحاً يريد به عمته خديجة وهي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب فتعلق به وقال أتذهب بالطعام إلى بني هاشم فقال له أبو البختري طعام كان لعمته عنده أفتمنعه أن يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ أبو البختري لحى بعير فضربه به فشجه ووطئه وطئاً شديداً. وذكر أبو عبد الله محمد بن سعد هشام بن عمرو العامري المذكور وقال كان أوصل قريش لبني هاشم حين حصروا في الشعب أدخل عليهم ليلاً حملاً أو حملين فغالظته قريش وهمت به فقال أبو سفيان بن حرب دعوه رجل وصل أهل رحمه أما أني أحلف بالله لو فعلنا مثل ما فعل كان أحسن بنا. وعن ابن سعد وكان الذي كتب الصحيفة بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصي فشلت يده وحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من حين نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان خروجهم في السنة العاشرة وقيل مكثوا في الشعب سنتين.
قال ابن اسحق ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون رجلاً أو قريب من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه وكلموه وسألوه ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مسئلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فلما سمعوه فاضت عينهم من الدمع ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره فملا قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش فقال لهم خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال ما نعلم ركباً أحمق منكم أو كما قالوا فقالوا لهم سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه لم نأل من أنفسنا خيراً. ويقال إن النفر من النصارى من أهل نجران ويقال فيهم نزلت "
روينا عن الدولابي ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي ثنا زهير بن العلاء ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال توفيت خديجة بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين وهي أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قال وثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثني يونس بن بكير عن ابن اسحق قال ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب ماتا في عام واحد فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبتان هلاك خديجة وأبي طالب وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكن إليها قال وقال زياد البكائي عن ابن اسحق إن خديجة وأبا طالب هلكا في عام واحد وكان هلاكهما بعد عشرين سنة مضين من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قبل مهاجره صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين. وذكر ابن قتيبة أن خديجة توفيت بعد أبي طالب بثلاثة أيام. وذكر البهيقي نحوه. وعن الواقدي توفيت خديجة قبل أبي طالب بخمس وثلاثين ليلة وقيل غير ذلك فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك ويقول بين ذلك ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب. قال ولما اشتكى أبو طالب وبلغ قريشاً ثقله قال بعضهم لبعض إن حمزة وعمر قد أسما وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها فانطلقوا بنا إلى أبي طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا فإنا والله ما نأمن أن ينتبزونا أمرنا فمشوا إلى أبي طالب وكلموه وهم أشراف قومه عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف وأبو سفيان بن حرب في رجال من أشرافهم فقالوا يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك فادعه وخذ له منا وخذ لنا منه ليكف عنا ونكف عنه وليدعننا وديننا وندعه ودينه فبعث إليه أبو طالب فجاءه فقال يا ابن أخي هؤلاء الأشراف قومك وقد اجتمعوا لك ليعطوك وليأخذوا منك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم كلمة واحدة تعطوا بها وتملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم فقال أبو جهل نعم وأبيك وعشر كلمات قال تقولون لا إله إلا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه قال فصفقوا بأيديهم ثم قالوا يا محمد أتريد أن تجعل الآلهة إلهاً واحداً إن أمرك لعجب ثم قال بعضهم لبعض والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئاً مما تريدون فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه ثم تفرقوا فقال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله يا ابن أخي ما رأيتك سألتهم شحطاً فلما قالها طمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فجعل يقول له أي عن فأنت فقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قال له يا ابن أخي والله لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي وأن تظن قريش أني ما قلتها جزعاً من الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها. فلما تقارب من أبي طالب الموت نظر العباس إليه يحرك شفتيه فأصغى إليه بأذنه فقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بقولها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمع. كذا في رواية ابن اسحق أنه أسلم عند الموت. وقد روى أن عبد الله بن عبد المطلب وآمنة بنت وهب أبوي النبي صلى الله عليه وسلم أسلما أيضاً وإن الله أحياهما له فآمنا به. وروى ذلك أيضاً في حق جده عبد المطلب وهي روايات لا معول عليها والصحيح من ذلك ما رويناه من طريق مسلم قال حدثني حرملة بن يحيى التجيبي قال أنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدان له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هم على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله لأستغفرن لك ما لم انه عنك فأنزل الله عز وجل " وفي الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أهون أهل النار في النار عذاباً أبو طالب وهو منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه. وأخبرنا عبد الرحيم بقراءة والدي عليه أخبركم أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج قال أنا أبو القاسم بن الحصين قال أنا أبو علي بن المذهب قال أنا أبو بكر القطيعي قال أنا عبد الله بن أحمد ثنا أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحق قال سمعت ناجية بن كعب يحدث عن علي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبا طالب مات فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اذهب فوراً فقال إنه مات مشركاً قال اذهب فوراً قلما واريته رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي اغتسل. وأخبرنا أبو الفضل بن الموصلي قال أخبرنا أبو علي بن سعادة الرصافي قال أنا هبة الله محمد الشيباني قال أنا الحسن بن علي التميمي أنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال أنا عبد الله بن أحمد ثنا أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن أبي رزين عمه قال قلت يا رسول الله أين أمي قال أمك في النار قال قلت أين من مضى من أهلك قال أما ترضى أن تكون أمك مع أمي قال عبد الله قال أبي الصواب حدس. وذكر بعض أهل العلم في الجمع بين هذه الروايات ما حاصله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل راقياً في المقامات السنية صاعداً في الدرجات العلية إلى أن قبض الله روحه الطاهرة إليه وأزلفه بما خصه به لديه من الكرامة حين القدوم عليه فمن الجائز أن تكون هذه الدرجة حصلت له صلى الله عليه وسلم بعد أن لم تكن وأن يكون الإحياء والإيمان متأخراً عن تلك الأحاديث فلا تعارض. وقال السهيلي شهادة العباس لأبي طالب لو أداها بعد أن أسلم كانت مقبولة لأن العدل إذا قال سمعت وقال من هو أعدل منه لم أسمع أخذ بقول من أثبت السماع ولكن العباس شهد بذلك قبل أن يسلم عن حال أبي طالب فيما أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف بقراءة أبي علية وقرأت على أبي الهيجاء غازي بن أبي الفضل قال أنا أبو حفص بن طبرزد قال أنا ابن الحسين قال أنا أبو طالب بن غيلان قال أنا أبو بكر الشافعي ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عبد الملك بن عمير قال سمعت عبد الله بن الحرث بن نوفل قال سمعت العباس يقول قلت يا رسول الله إن أبا طالب كان يحفظك وينصرك فهل نفعه ذاك قال نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح. صحيح الإسناد مشهور متفق عليه من حديث العباس في الصحيحين ولو كانت هذه الشهادة عنده لأداها بعد إسلامه وعلم حال أبي طالب ولم يسأل والمعتبر حالة الأداء دون التحمل. وفيما ذكره السهيلي أن الحرث بن عبد العزى أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأسلم وحسن إسلامه في خبر ذكره من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحق عن أبيه عن رجال من بني سعد بن بكر.
وذلك في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة قال ابن إسحق ولما هلك أبو طالب ونالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تنال منه في حياته خرج إلى الطائف وحده - وقال ابن سعيد ومعه زيد بن حارثة - يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة عبد ياليل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف وعند أحدهم امرأة من قريش من بين جمح فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمهم ما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالف من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك وقال الآخر أما وجد الله أحداً يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك أبداً لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك بالكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف وقد قال لهم فيما ذكر لي إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه فلم يفعلوا أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس. قال موسى بن عقبة قعدوا له صفين على طريقه فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه. زاد سليمان التيمي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذون بعضديه فيقيمونه فإذا مشى رجموه وهم يضحكون وقال ابن سعد: وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج رأسه شجاجاً قال ابن عقبة فخلص منهم ورجلاه تسيلان دماً فعمد إلى حائط من حوائطهم فاستظل في ظل حبلة منه وهو مكروب موجع وإذا في الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله. قال فلما رآه ابنا ربيعة وما لقي تحركن له رحمهما فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له عداس فقالا له خذ قطفاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال بسم الله ثم أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال والله إن هذا لكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أي البلاد أنت يا عداس وما دينك قال نصراني وأنا من أهل نينوى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه فلما جاءهما عداس قالا له ويلك مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه قال يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا لقد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبي قالا ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه. وروينا في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوماً كان أشد عليك من يوم أحد فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت على وجهي وأنا مهموم فلم أستفق إلا وأنا بقرن التعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي فقال يا محمد ذلك لك فما شئت وإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً. وذكر ابن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف ولم يجيبوه لما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء ثم بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره فقال أنا حليف والحليف لا يجير فبعث إلى سهيل بن عمرو فقال إن بني عامر لا تجير على بني كعب فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى عنده ثم انصرف إلى منزله. ولأجل هذه السابقة التي سلفت للمطعم بن عدي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له.
وفي انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف راجعاً إلى مكة حين يئس من خير ثقيف مر به النفر من الجن وهو بنخلة كما سيأتي إن شاء الله تعالى وهم فيما ذكر ابن اسحق سبعة من جن نصيبين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قام من جوف الليل وهو يصلي. والخبر بذلك ثابت من طريق عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح الصوري بمرج دمشق أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني سماعاً عليه فأقر به قال أنا أبو محمد طاهر ابن سهل قال أنا أبو الحسين مكي قال أنا القاضي أبو الحسن الحلبي قال حدثني إسحق بن محمد بن يزيد ثنا أبو داود يعني سليمان بن سيف ثنا أيوب بن خالد ثنا الأوزاعي قال حدثني إبراهيم بن طريف قال حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري قال حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثني عبد الله بن مسعود قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة صرف الله النفر من الجن الحديث. ورويناه من حديث أبي المعلى عن عبد الله بن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة إلى نواحي مكة فخط لي خطاً وقال لا تحدثن شيئاً حتى آتيك ثم قال لا يروعنك أو لا يهولنك شيء تراه ثم جلس فإذا رجال سود كأنهم رجال الزط قال وكانوا كما قال الله " وفيه فلما ولوا قلت من هؤلاء قال هؤلاء جن نصيبين. وروينا من حديث أبي عبد الله الجدلي عن عبد الله وفيه قال ثم شبك أصابعه في أصابعي وقال إني وعدت أن تؤمن بي الجن والإنس فأما الإنس فقد آمنت بي وأما الجن فقد رأيت. وروى أبو عمر من طريق أبي داود ثنا محمد بن المثنى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال لما كانت ليلة الجن أتت النبي صلى الله عليه وسلم سمرة فآذنته بهم فخرج إليهم. قال أبو داود ثنا هارون بن معروف ثنا سفيان عن مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة أن مسروقاً قال له أبوك أنا أن شجرة أنذرت النبي صلى الله عليه وسلم بالجن. وروينا حديث أبي فزارة عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث ثنا عبد الله بن مسعود قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني قد أمرت أن أقرأ على إخوانكم من الجن فليقم معي رجل منكم ولا يقم رجل في قلبه مثقال حبة خردل من كبر فقمت معه وأخذت إدواة فيها نبيذ فانطلقت معه فلما برز خط لي خطاً وقال لي لا تخرج منه فإنك إن خرجت لم ترني ولم أرك إلى يوم القيامة قال ثم انطلق فتوارى عني حتى لم أره فلما سطع الفجر أقبل فقال لي أراك قائماً فقلت ما قعدت فقال ما عليك لو فعلت قلت خشيت أن أخرج منه فقال أما إنك لو خرجت منه لم ترني ولم أرك إلى يوم القيامة هل معك وضوء قلت لا فقال ما هذه الإدواة قلت فيها نبيذ قال تمرة طيبة وماء طهور فتوضأ وأقام الصلاة فلما قضى الصلاة قام إليه رجلان من الجن فسألاه المتاع فقال ألم آمر لكما ولقومكما بما يصلحكما قالا بلى ولكن أحببنا أن يشهد بعضنا معك الصلاة فقال ممن أنتما قالا من أهل نصيبين فقال أفلح هذان وأفلح قومهما وأمر لهما بالروث والعظم طعاماً ولحماً ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجي بعظم أو روثة. رويناه من حديث قيس ابن الربيع وهذا لفظه. ومن حديث الثوري وإسرائيل وشريك والجراح بن مليح وأبي عميس كلهم عن أبي فزارة وغير طريق أبي فزارة عن أبي زيد لهذا الحديث أقوى منها للجهالة الواقعة في أبي زيد ولكن أصل الحديث مشهور عن ابن مسعود من طريق حسان متظافرة يشهد بعضها لبعض ويشد بعضها بعضاً ولم يتفرد طريق أبي زيد إلا بما فيها من التوضؤ بنبيذ التمر وليس ذلك مقصودنا الآن ويكفي من أمر الجن ما في سورة الرحمن وسورة قل أوحى إلي وسورة الأحقاف " وذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر بالجن وهم يستمعون له يقرأ حتى نزلت عليه " وروينا عن ابن هشام قال حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي وغيره من مشايخ بكر بن وائل من أهل العلم أن أعشى بن قيس بن ثعلبة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام فقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وبت كما بات السليم مسهدا ألا أيها ذا السائلي أين يممت فإن لها في أهل يثرب موعدا وآليت لا آوي لها من كلالة ولا من حفاً حتى تلاقي محمدا متى تناخي عند باب ابن هاشم تراخي وتلقى من فواضله ندى نبياً يرى مالا يرون وذكره أغار لعمري في البلاد وأنجدا له صدقات ما تغب ونائل وليس عطاء اليوم مانعه غدا أجدك لم تسمع وصاة محمد نبي الإله حين أوصى وأشهدا ندمت على أن لا تكون كمثله فترصد للموت الذي كان أرصدا فلما كان بمكة أو قريباً منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم فقال له يا أبا بصير فإنه يحرم الزنا فقال والله إن ذلك لأمر مالي فيه من أرب فقال يا أبا بصير فإنه يحرم الخمر قال الأعشى أما هذه فوالله إن في النفس لعلالات منها ولكني منصرف فأرتوي منها عامي هذا ثم آتيه فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك ولم يعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.قوله " لا آوي لها من كلالة " أي لا أرق. وفي هذه الأبيات عن غير ابن هشام بعد قوله: أغار لعمري في البلاد وأنجدا ** به أنقذ الله الأنام من العمى **وما كان فيهم من يريع إلى هدى ** وقوله فلما كان بمكة وهم ظاهر لأن تحريم الخمر إنما كان بعد أحد وفي الأبيات: فإن لها في أهل يثرب موعدا ** وهو أيضاً مما يبين ذلك والله أعلم.
|